فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} وفى يونس: {قل لا أملك لنفسى ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
للسائل أن يسأل هنا عن تقديم النفع في الأعراف وتأخيره في يونس؟ وعن تعقيب آية الأعراف بقوله: {لو كنت أعلم الغيب...} الآية وآية يونس بقوله: {لكل أمة أجل}؟
والجواب عن الأول: أنه لما تقدم سؤالهم عن الساعة وتكرر في قوله: {يسألونك كأنك حفى عنها} أي عالم بها وكان ظاهر السياق يشير إلى أنهم كانوا يظنون أنه عليه السلام يعلمها فطلبوا تعريفهم بها وأن يخصهم بذلك ولاشك أن العلم بالشئ نفع لصاحبه فعرفهم أنه لا يملك لنفسه نفعا ولاضرا وتقدم ذكر النفع لأنه مشير إلى ما ظنوه أنه عنده من علمها فأعلمهم أنه سبحانه استأثر بعلمها وأنه عليه السلام لا يملك من ذلك شيئا إلا ما شاء الله له مما عدى علم الساعة لانفراده سبحانه عن خلقه بعلمها، {لا يجليها لوقتها إلا هو} ثم تأكد هذا الغرض بقوله تعالى على لسان نبيه عليه السلام: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} وهذا كله بين التناسب.
وأما تأخير ما تقدم في الأعراف في سورة يونس وهو قوله: {قل لا أملك لنفسى ضرا ولا نفعا} فقدم الضر فللمتقدم قبله من قوله: {ويقولون متى هذا الوعد} فطلبوا تعجيل العذاب استهانة وتكذيبا ولم يعلموا ما في مطالبهم من المحنة والمضرة العاجلة فقال لهم عليه السلام بأمر الله تعالى إنى لا أملك الضر ولا النفع لنفسى ولا لكم فلا تستعجلونى ذلك فليس بيدى فقدم الضر لأجل ما تقدم من طلبهم إياه وأخبروا أن لكل أمة أجلا لما شاءه الله وقدره لهم: {إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} فقد وضح وجه التقديم والتأخير في الضر والنفع وتوجيه التعقيب بما أعقب كل من الآيتين. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}.
أَمَره بتصريح الإقرار بالتبري عن حوله ومُنتَّهِ، وأن قيامه وأمرَه ونظامَه بطوْل ربِّه ومتِّه؛ ولذلك تتجنَّسُ عليَّ الأحوال، وتختلف الأطوار؛ فَمِنْ عُسْرٍ يَمَسُّني، ومِنْ يسرٍ يخصني، ولو كان الأمر بمرادي، ولم يكن بِيدِ غيري قيادي لتشابهت أحوالي في اليسر، ولتشاكلت أوقاتي في البعد من العسر. اهـ.

.التفسير المأثور:

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} قال: لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه {وما مسني السوء} قال: ولا يصيبني الفقر.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا} قال: الهدى والضلالة {ولو كنت أعلم الغيب} متى أموت {لاستكثرت من الخير} قال: العمل الصالح.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وما مسني السوء} قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {لِنَفْسِي} فيه وجهان:
أحدهما: أنَّها متعلقة بـ {أمْلِكُ}.
والثاني: أنَّها متعلقةٌ بمحذوف على أنَّها حالٌ من نَفْعًا؛ لأنه في الأصْلِ صفةٌ له لو تأخر، ويجوزُ أن يكون لِنَفْسِي معمولًا بـ {نَفْعًا} واللاَّم زائدةٌ في المفعول به تقويةٌ للعامل؛ لأنَّهُ فرع إذ التَّقديرُ: لا أملك أن أنفع نفسي ولا أن أضُرَّهَا، وهو وجهٌ حسنٌ.
قوله: {إِلاَّ مَا شَاءَ الله} في هذا الاستثناء وجهان:
أظهرهما: أنَّهُ متَّصلٌ، أي إلاَّ ما شاء الله تمكيني منه فإني أملكه.
والثاني: أنَّهُ منفصل- وبه قال ابنُ عطيَّة-، وسبقة إليه مكيٌّ، ولا حاجة تدعو إلى ذلك.
قوله: {وَمَا مَسَّنِيَ السوء}.
عطف على جواب {لو} وجاء هنا على أحسن الاستعمال من حيث أثبت اللاَّم في جواب {لَوْ} المثبت، وإن كان يجوزُ غيره، كما تقدَّم، وحذفَ اللاَّم من المنفيّ، لأنه يمتنع ذلك فيه.
وقال أبُو حيَّان: ولم تصحب {مَا} النَّافية- أي: اللام- وإن كان الفصيحُ إلاَّ تصحبها، كقوله: {وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ} [فاطر: 14].
وفيه نظرٌ؛ لأنَّهم نَضُّوا على أنَّ جوابها المنفيَّ لا يجوز دخولُ اللاَّم عليه.
قوله: {إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} نذير لمن لا يُصدق بما جئت به، وبشير بالجنَّةِ لقوم يصدقون.
وذكر إحدى الطائفتين؛ لأنَّ ذكر إحداهما يفيد ذكر الأخرى، كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81].
وقد يقال: إنه كان نذيرًا وبشيرًا للكل إلاَّ أنَّ المنتفع بالنذارة والبشارة هم المؤمنون كما تقدَّم في قوله: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
واللاَّمُ في قوله القوم من باب التَّنازُعِ، فعند البصريين تتعلقُ بـ {بَشِير} لأنه الثَّاني، وعند الكوفيين بالأول لسبقه.
ويجوز أن تكون المتعلٌّق بالنذارة محذوفًا، أي: نذير للكافرين ودلَّ عليه ذكرُ مقابله كما تقدم. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (189):

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه الساعة هنا كما ذكرها أول السورة بما لم يذكره هناك من تهكمهم واستهزائهم، وختم هنا بحصر العلم والقدرة في الله الموجب لتفرده بالإلهية، وكان الذي جرهم إلى ذلك الاستهزاء إشراكهم، ذكر ما ذكر قبلها أول السورة من ابتداء الخلق على وجه الحصر المستلزم لتمام القدرة الموجب لنفي الشريك واعتقاد القدرة على الساعة وغيرها والصدق في كل ما وقع الإخبار به من أمرها وغيره الموجب للاستقامة في قبول بشارته ونذارته والإقبال بالكلية على الخالق، فقال مقررًا للتوحيد مؤكدًا لأمره: {هو} أي وحده {الذي خلقكم} أي ولم تكونوا شيئًا {من نفس واحدة} أي خلقها ابتداء من تراب وهي آدم عليه السلام- كما مر بيانه، ومن قدر على اختراع حي من شيء ليس له أصل في الحياة، كان على إعادته حيًا من ذلك الشيء بعد أن صار له أصل في الحياة أقدر.
ولما كان آدم عليه السلام بعد صيرورته لحمًا ودمًا أقرب إلى السببية لخلق ذات لحم ودم منه، قال معبرًا بالواو لأنه كاف في نفي الشرك الذي السياق للتحذير منه بخلاف الزمر فإنه للقهر، وتأخير المسببات عن الأسباب مدة أدل عليه لأنه خلاف الأصل، {وجعل} لأن الجعل- كما قال الحرالي- إظهار أمر عن سبب وتصيير {منها} أي لا من غيرها {زوجها} أي حواء من لحمها ودمها وعظمها.
ولما كان المراد بالنفس آدم عليه السلام وكان الزوج يقال على الذكر والأنثى، استخدم ضميره في المذكر ذاكرًا علة الجعل بقوله: {ليسكن} أي آدم هو المراد بالنفس هنا، ولما كان الزوج هنا هو المرأة أنث الضمير فقال: {إليها} وتنقلكم من ذلك السكون منه إليها- لأن النفس إلى الجنس أميل وعليه أقبل، ولاسيما إن كان بعضًا، ألا ترى إلى محبة الوالد لولده والقريب لقريبه، وإنما منع سبحانه من نكاح الأصل والفرع لما في ذلك من الضرار وغيره من الحكم الكبار، فيغشاها عند ما يسكن إليها فيحصل الحبل والولادة فتتفرع النفوس من تلك النفس.
ولما كان السكون هنا كناية عن الجماع، أعاده بلفظ أقرب منه- فقال مؤذنًا بقرب غشيانها بعد جعلها، أو ناسقًا له على ما تقديره: فسكن إليها فمالت نفسه إليها فلم يتمالك أن غشيها {فلما تغشّاها} أي غشيها آدم عليه السلام المعبر عنه بالنفس بهمة عظيمة {حملت حملًا خفيفًا} أي لأنه نطفة {فمرت به} أي فعالجت به أعمالها وقامت وقعدت، لم يعقها عن شيء من ذلك، إعلامًا بأن أمرها فيه كان على عادة النساء التي نعرفها {فلما أثقلت} أي صارت ثقيلة بكبره وتحركه في بطنها {دعوا الله} أي آدم وحواء عليهما السلام.
ولما ذكر الاسم الأعظم استحضارًا لأن المدعو هو الذي له جميع الكمال، فهو قادر على ما دعوا به لأنه قادر على كل ما يريد، ذكر صفة الإحسان رجاء القبول والامتنان فقال: {ربهما} أي الذي أحسن إليهما، مقسمين {لئن آتيتنا صالحًا} أي ولدًا لا عيب فيه {لنكونن من الشاكرين} أي نحن وأولادنا على نعمتك علينا، وذلك أنهما جوزا أن يكون غير سوى لقدرة الله على كل ما يريد، لأنه الفاعل المختار لا الطبيعة ولا غيرها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ}.
اعلم أنه تعالى رجع في هذه الآية إلى تقرير أمر التوحيد وإبطال الشرك وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
المروي عن ابن عباس {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة} وهي نفس آدم {وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي حواء خلقها الله من ضلع آدم عليه السلام من غير أذى {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} آدم {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَلَمَّا أَثْقَلَت} أي ثقل الولد في بطنها أتاها إبليس في صورة رجل وقال: ما هذا يا حواء إني أخاف أن يكون كلبًا أو بهيمة وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك فيقتلك أو ينشق بطنك؟ فخافت حواء، وذكرت ذلك لآدم عليه السلام، فلم يزالا في هم من ذلك، ثم أتاها وقال: إن سألت الله أن يجعله صالحًا سويًا مثلك ويسهل خروجه من بطنك تسميه عبد الحرث، وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث فذلك قوله: {فَلَمَّا ءاتاهما صالحا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتاهما} أي لما آتاهما الله ولدًا سويًا صالحًا جعلا له شريكًا أي جعل آدم وحواء له شريكًا، والمراد به الحرث هذا تمام القصة.
واعلم أن هذا التأويل فاسد ويدل عليه وجوه: الأول: أنه تعالى قال: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} وذلك يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة.